الدكتور جيمس دبسون
إن غرضي الأساسي من كتابة هذا المقال هو أن أسجل للأجيال الحالية والقادمة إدراكي للمفاهيم المسيحية عن الأبوة والأمومة التي قادت ملايين من الآباء والأمهات في تربية أبنائهم قروناً عديدة. إنني مقتنع أن هذه المفاهيم سوف تبرهن على نجاحها في بيتك أيضاً. لذلك دعنا ندرس خمس أسس لتربية الطفل هي:
1- إن احترام الوالدين هو العامل الحاسم في جعل الطفل سهل القياد
إنه لأمر هام وأساسي أن يتعلم الطفل احترام والديه - لا لإشباع غرورهم - ولكن لأن علاقته بهم سوف تعطيه أساس مواقفه تجاه الله وتجاه الناس الآخرين. إن رؤيته المبكرة لاحترام سلطان والديه عليه واحترامهم، تصبح حجر الزاوية في المستقبل لاحترامه سلطان مدرسيه واحترامهم وسلطان القوانين واحترامها، بل وسلطان الله عليه وتوقيره واحترامه .
إن العلاقة بين الطفل ووالديه هي أول وأهم تفاعل مع المجتمع يختبره الطفل، وهذه العلاقة هي التي تكوّن الشروخ والعقد التي تظهر في حياة الطفل فيما بعد، وهذا في حالة إذا كانت هذه العلاقة غير سوية.
يجب أن نحافظ على احترام الطفل لوالديه لسبب آخر هام جداً. فإذا أردت أن يقبل طفلك القيم التي تبثها فيه عندما يكبر، عليك أن تكون جديراً باحترامه في أيام الطفولة. فالطفل الذي يستطيع أن ينجح في تحدي والديه أثناء الخمس عشرة سنة الأولى من حياته، فإنه سيخسر منهم بعد ذلك، متباهياً بالخروج على سلطتهم، بل ومحتقراً إياهم. بعد ذلك فإنه سيظهر عدم احترامه لهم بطريقة أكثر وقاحة. وعندما يرى أن والديه غير جديرين باحترامه، فإنه سوف يرفض كل فلسفتهم في الحياة بل إنه سيرفض إيمانهم. وهذا الأمر مهم جداً للآباء المؤمنين الذين يرغبون في نقل محبتهم ليسوع لأبنائهم وبناتهم. فالأطفال الصغار يقلّدون آباءهم في تعاملاتهم مع الله. لقد تعجبت عندما رأيت الأثر الذي تركته صلاتي وصلاة زوجتي قبل الأكل في ابني. إنني لم أقل له أن يصلي قبل الأكل، ولكنه كـــان ذات مـــرة في رحلة، وطلب من أصدقائه أن يصــلوا قبل تناول الطعام.
فـإذا كنــا نـحب أولادنـا ولكننـا نسمح لهم بأن يعاملوننا بعدم احترام وازدراء، أو إذا كنا قساة عليهم، ونفرض عليهم النظام والتأديب الذي لا يظهر أي حب، فإننا بهذا نشوّه فكرتهم عن الآب السماوي ، وعن علاقتهم به، واحترامه كأب.
2- إن أحسن فرصة لإيجاد علاقة طيبة بالأولاد تكون بعد تأديبهم
لا توجد فرصة تجعل الطفل أكثر قرباً من أبيه أو أمه أحسن من فرصة تأديبه بالعصا، وخصوصاً إذا قالوا له عن سبب هذا التأديب، وأنه يستحقه. فإن إظهار الوالدين لسلطتهم على أولادهم يجعل هؤلاء الأولاد يحترمون والديهم ، وغالباً ما يظهر الأولاد حبهم لوالديهم فور جفاف دموعهم بعد التأديب. لهذا السبب لا يجب أن يخشى الوالدين أو يتراجعوا عن مواجهة أولادهم عند الخطأ وتأديبهم. فالتأديب فرصة لتوصيل ما يريد أن يقوله الوالدين لأولادهم، وهذه الفرصة لا تكون متاحة في أي وقت آخر. فبعد أن يعبّر الطفل عن عاطفته بالبكاء والدموع، فإنه غالباً ما يرغب في الارتماء على صدر أبيه وأمه اللذَين يجب أن يفتحا له ذراعيهما ويرحبا به بحرارة وبمحبة. في هذه اللحظة يمكن للأب أو الأم أن يتكلما مع طفلهما من القلب للقلب. إنك تستطيع أن تقول له إنك تحبه، وأنه مهم جداً بالنسبة لك. كما تستطيع أن تقول له لماذا ضربته وأدّبته في المرات القادمة .
مثل هذه المناقشة وإظهار الحب للطفل، لا تكون ممكنة مع وسائل التأديب الأخرى، مثل جعل الطفل يقف في ركن الغرفة، أو حرمانه من لعبته المفضلة. إن مثل هذا الدفء الذي يظهره الوالدَين في مشاعرهما نحو طفلهما يبيّن له أنهما لا يرفضاه، بل إنهما يرفضان سلوكه. هذا هو الفرق بين التأديب بالعصا والعقاب. فالطفل يقبل التأديب بالعصا بدون امتعاض أو استياء، ولكنه لا يقبل العقاب بأي صورة من الصور، إذ أن هذا العقاب يجعله يشعر بأنه غير محبوب من والديه وأنه غير مرغوب فيه، كما يشعره بعدم الأمان .
3- السيطرة على الطفل وتوجيهه بدلا من تهديده والصراخ في وجهه
يمكن أن يصير الصراخ في وجه الطفل وتهديده بالعقاب عادة عند الوالدين، وبذلك تصبح وسيلة غير فعالة للسيطرة على الطفل. إذ أن محاولة السيطرة على الأطفال بواسطة الصراخ والتهديد تكون بلا جدوى مثل محاولة قيادة السيارة بواسطة إطلاق آلة التنبيه باستمرار.
ويجب على الآباء والأمهات أن يضعوا في حسبانهم أن الطفل يكون واعياً ومدركاً أنه يكسر القواعد التي وضعوها له. إن معظم الأطفال يعمل عملية تحليل لتحدي سلطة الكبار، ويفكرون في ذلك ملياً قبل أن يقدموا على هذا الأمر. كما أنهم يَزِنوا نتائجه المحتملة، فإذا أدركوا أن هذا التحدي لا جدوى منه، فإنهم سوف يسلكون الطريق الأكثر أماناً .
إن هذا هو ما يتم في معظم البيوت، حيث يدفع الصغير أحد الأبوين إلى حافة عدم القدرة على الاحتمال، ولكنه يكون كالملاك مع الآخرين. فالأم مثلاً تشكو دائماً من أن ابنها يحترم كلام أبيه، بينما لا يبدي أي اهتمام بكلامها وبتهديداتها، إن ابنها هذا ليس غبياً، إنه يعرف أن أمه أكثر أماناً من أبيه.
ولكي نلخص هذه النقطة نقول إن الأب أو الأم عليهما أن يدركا أن أحسن وسيلة للسيطرة على الطفل وهي التأديب فالتهديدات الجوفاء لا تهم الطفل. فكما أن الشخص الذي يسكن بجوار شريط سكة الحديد لا يسمع الضوضاء التي تحدثها القطارات لأنه تعوّد عليها، هكذا فإن الطفل يتجاهل التهديدات الجوفاء التي لا تنفذ لأنه تعوّد عليها.
4- لا تُتخم الطفل بالرفاهية المادية
بالرغم من المصاعب الناجمة من الكساد الاقتصادي في هذه الأيام، إلا أن هناك سؤال من الصعب الإجابة عليه وهو: كيف أقول "لا" لطفلي بخصوص رغباته المادية؟ في الماضي، كان يقول الوالدين لأطفالهم ببساطة أنه ليس لديهم القدرة المالية أن يشتروا لهم كل ما يريدونه.
إن رغبة الأطفال في شراء اللعب الغالية الثمن تكون نتيجة الملايين التي ينفقها المنتجين على إعلانات التلفزيون. فهناك العرائس بالحجم الطبيعي، والطائرات النفاثة، والإنسان الآلي، والبنادق الأتوماتيكية، وكلها تجذب الأطفال لطلب شرائها، وهذا يكلف الأب الكثير من المال.
ولنفرض أن الوالدين لديهم الشجاعة الكافية ليقولوا "لا" لأطفالهم، فإن الجد أو الجدة من السهل التأثير عليهم لشراء هذه اللعب لأحفادهم. علينا أن ندرك أن هناك تشابه واضح بين جميع الأطفال. فإذا لم تجعل الطفل يشعر باشتياقه للحصول على شيء ما، فإنه لن يستمتع بالفرحة التي تصاحب حصوله عليه، لذلك فإنني اقترح أن تجعل طفلك يختبر الحرمان المؤقت لكي يعرف قيمة الأشياء التي تحضرها له ويشعر بمنتهى السعادة عند حصوله عليها .
5- يجب أن يكون هناك توازن بين الحب والتأديب
من المعروف من عشرات السنين أن الطفل غير المحبوب الذي لا يلاحظه أبواه ويحتضنوه ويقبلوه بحب سوف يموت بمرض غريب يسمى الهزال. إنهم سوف يذبلون ويموتون قبل عيد ميلادهم الأول. ولقد لوحظ الدليل على هذا الاحتياج العاطفي للطفل في القرن الثالث عشر، عندما قام فريدريك الثاني بعمل تجربة على 50 طفلا. كان يريد أن يعرف أي لغة سيتكلمون بها إذا لم تكن لديهم الفرصة لأن يسمعوا أي كلمة من أحد. ولكي ينفّذ هذه التجربة، فإنه استخدم مرضعات لكي يرضعونهم ويعتنون بنظافتهم، ولكنه منعهم من أن يلاطفونهم أو يدللونهم أو حتى يتكلمون معهم. ولقد فشلت التجربة لأن هؤلاء الأطفال الخمسين ماتوا جميعاً .
إن الدراسات الحديثة تبين أن علاقة الأم بطفلها أثناء السنة الأولى من حياته تكون هامة وحيوية لبقاء الطفل على قيد الحياة .
وبينما يكون غياب الحب له أثره الضار على الأطفال كذلك فإن الحب المفرط يكون مصدر خطر بالنسبة لهم. إنني شخصياً أعتقد أن بعض الأطفال يفسدون من الحب الذي يصل إلى حد التدليل .
ذات مرة عالجت مشكلة أم قالت إن أطفالها كانوا المصدر الوحيد لإشباع رغباتها في الحياة . ففي أثناء الصيف كانت تقضي معظم وقتها واقفة في نافدة الغرفة الأمامية تراقب بناتها الثلاثة وهم يلعبون. كانت تخشى أن يؤذوا أنفسهم أو يحتاجوا إلى مساعدتها أو أن يركبوا دراجاتهم في الشارع.
لقد أهملت هذه الأم مسؤولياتها تجاه العائلة بالرغم من الشكاوى المتكررة من زوجها فلم يكن عندها وقت لإعداد الطعام وتنظيف المنزل، إذ كانت مهمتها الوحيدة هي مراقبة بناتها من النافدة. هذا نموذج أم أفسدت عائلتها بسبب حبها الزائد لبناتها.
إن عدم السماح للطفل بأن يواجه المخاطر المعقولةوالصعوبات يجعل شخصيته لا تنمو أو تتطور، إذ أن هذه المخاطر والصعوبات تكون ضرورة لنمو شخصية الطفل وتطورها. لذلك فإن الاعتدال في محبة الأطفال ضروري لكي ينشأ الأطفال أصحاء جسمانياً ونفسياً ويتعوّدوا على تحمل المسؤولية.
