يعقوب أبو الأسباط مشهور عنه صفات كثيرة جدا.. فهو المتعقب وراء أخوه.. الحاصل على ما يريد بالخديعة والمكر.. هو ابن أمه الذي لا يترك منزله أبدا .. هو الباحث الدؤب للحصول على ما ليس له.. وهو البكورية .. والساعي بجد واجتهاد نحو البركة .. حياة يعقوب حياة ممتلئة حركة على الرغم من أنه راعي غنم ويندر ان تجد الإثارة في هذه المهنة التى لا تتطلب الا القدرة على إكتشاف أماكن جيدة للرعي وحسن التعامل مع الغنم والقدرة على الدفاع عن الغنم وقت الحاجة... ولكن على الرغم من ذلك ونتيجة لطموحات يعقوب وتعارضها مع طموحات من يحتك بهم نجد أنه في حياة مليئة بالاثارة .. سواء في مغامراته مع أخوه أو ابوه أو خاله لابان أو زوجاته أم الابناء الاثني عشر ... حياة صعبة ومثيرة
وفي الواقع أنا أجد أن الهدف الرئيسي الذي عاش لأجله يعقوب وأراد أن يسعي وراءه هو هدف الحصول على البركة .. ولكن علينا أن نفهم معنى البركة
معنى البركة
سأحاول أن أفهمها من خلال الملاحظة الكتابية ولن أستعين بالمراجع فنجد في سفر التكوين الإصحاح 25 ابتداء من العدد 12 يقول " وزرع إسحق في تلك الأرض فحصد في تلك السنة مئة ضعف لأن الله باركه. 13 وعظم شأن الرجل وتزايد غناه وأصبح واسع الثراء والنفوذ. 14 وصارت له ماشية . غنم وقطعان بقر وعبيد كثيرون " ومن هذا العدد والذي تستطيع أن ترى على مثاله أيات كثيرة تخص ابراهيم ويعقوب وأيوب ويعبيص وما إلى ذلك .. مما يدل على أن البركة التي يمكن أن تكون في مفهوم يعقوب هو هذه المواصفات .. ولكن الدارس بدقة لحياة يعقوب سوف يشعر بالدهشة جدا.. لنتتبع مشوار يعقوب
رحلة يعقوب للبحث عن البركة
1- وعد الهي :
عند ميلاد يعقوب وعيسو كان هو الصغير ولكن أمه أخذت الوعد من الرب إذ قال لها " في أحشائك أمتان شعب يستقوى على شعب وكبير يستعبد لصغير " ومن هنا حصل يعقوب على وعد الهي أنه سيحصل على البكورية ومن ثم البركة التي تتبعها فمن المعروف أن البكورية كان لها مزايا كبيرة في الميراث بحسب عادات الشعوب القديمة إذ أن الابن البكر هو الذي سيحمل مسؤولية العائلة وسينال الجزء الأكبر في الميراث
2- صفقة تجارية :
لم يكتف يعقوب بذلك الوعد الالهي الذي نالته له أمه .. فلم يتمسك بذلك الوعد ووثق في الله وانتظر .. بل أراد أن يكون له دور في تحقيق هذا (وربما كان هذا أصل المشكلة ) إذ انتهز في يوم من الأيام فرصة أن اخوه راجع من عمله في الصيد شديد الجوع وطلب الأكل من أخيه فقال له بعني امتيازات بكوريتك تك 25: 31 وحصل يعقوب على البكورية بصورة رسمية لأن أخوه حلف له نظير وجبة ساخنة من العدس الأصفر
3- تزوير في أجساد رسمية
لم يكتف يعقوب في هذا فبقي التحالف بينه وبين أمه يترقبون الأمور ، وهذا كان سهلا بالنسبة لهم فيعقوب كان يعتني بالماشية في المنزل بينما أخوه المسكين طيلة النهار في الخارج يبحث عن صيده .. وعندما شاخ اسحق وضعفت عيناه أراد أن يعطي البكورية لأبنه الأكبر اسحق وبدلا من المواجهة المباشرة بين يعقوب ورفقة وبين اسحق لجأوا الى الحيلة وزور يعقوب شخصيته ومن خلالها حصل على البكورية والتي تحتوي في طياتها على بركة عظيمة
***
لن أسترسل في حياة يعقوب كثيرا ولكني أردت أن أقول أن بعد كل هذا حصل يعقوب على ثروة عظيمة جدا نتيجة لعمله مع لابان خاله من ماشية وغنم وزوجات وأولاد حتى صار عنده جيش كامل .. لقد صار كل ما يصنعه ينجح وعلى الرغم ان خاله لابان له نفس صفات يعقوب فهو (نصاب ) مثله ومخادع إلا أن يعقوب استطاع أن ينتصر عليه في مواقع عديده وأيضا بسبب سياسته الجميلة وطيبة قلب عيسو استطاع أن يحل مشاكله معه ومن المفروض أنه هنا تنتهي قصة يعقوب فهو قد حصل على كل شئ يريده .. ولكننا نجد شئ يفاجئنا كثيرا جدا
من جديد أريد أن تباركني
في الاصحاح الثني والثلاثين من سفر التكوين نجد يعقوب وهو في رحلة العودة الى ديار ابيه .. وفي فترة اختلى فيها يعقوب لوحده وصارعه انسان حتى طلوع الفجر .. وفي الواقع لن أحاول أن أناقش قضية من هو هذا الانسان ولن أتأمل في القصة نفسها فربما يكون لهذا الامر مقالة أخرى .. ولكني أردت أن أتساءل عن سر ذلك الطلب العجيب .. فماذا تريد يا يعقوب ؟ .. بركة ؟ .. من جديد؟ .. وكل هذا .. الا يكفيك .. لماذا تريد المزيد .. هل هناك مفهوم آخر للبركة نحن لا نفهمة... ؟ ربما
وقتها حصل يعقوب على البركة إذ قال الكتاب وباركه هناك .. ونلاحظ أن هذه الطلبة هي آخر طلبة فيها طلب يعقوب بركة .. لقد حصل على الشبع .. ونال البركة الحقيقية التي كان يريدها .. ولكن لنتأمل في حياة يعقوب بعد هذه البركة في عجالة ولنرى تأثير هذه البركة عليه :
1- صار أعرج طول حياته
2- أنتهاك شرف دينة ابنته .. وما يتبعه من قتل مدينة كاملة نتيجة لهذا الأمر
3- موت زوجته المفضلة راحيل
4- فقدان ابنه المفضل يوسف
5- جوع في الارض وفقدان جزء كبير من ثروة يعقوب نتيجة لهذا الجوع ونتيجة لإستيراد القمح من مصر
6- فقدان شمعون في مصر قرابة العام
أهذه هي البركة التي كنت تريدها يا يعقوب .. لا لم تكن هذه هي البركة ولكنها هي تبعات ما أراده يعقوب فالبركة الحقيقية التي نالها يعقوب هي عندما غير الله من اسمه والاسم يحمل صفات صاحبه .. فبدلا من أن يكون اسمه يعقوب صار اسمه اسرائيل تك 33: 28 ومعنى اسرائيل (يجاهد مع الله ) ومن الممكن أن يترجم (أمير الله) .. لقد تحمل يعقوب تبعات تلك البركة من فقدان كثير من ثروته التي جمعها نتيجة بركة أبوه الارضية الجسدية نتيجة لحصوله على مقام ورتبة عظيمة إذ صار اميرا مجاهدا مع الله
ولأول مرة يهتم يعقوب بأن يتخلص من الآلهة الغريبة ويتطهر هو وأسرته .. لقد رجع يعقوب الى الله وصار انسانا جديدا نتيجة لبركة الله له (اقرأ تك 35) وهنا بدأ الله يظهر الى يعقوب بدون طلب ويباركه (تك 35 : 9) " وظهر الله ليعقوب مرة أخرى ... وباركه وقال له : لن يدعى أسمك يعقوب في ما بعد بل اسرائيل ( ومعناه يجاهد مع الله) وهكذا سماه الله اسرائيل .. وأعطاه مزيد من الوعود سينالها ابناء ه في المستقبل أما هو فله الجهاد والمعاناة والالم.. ولكن في النهاية هو أمير لله
عزيزي : ما رأيك – هل تريد أن تنال مثل هذه البركة .. بركة التغيير الكلي لك .. بركة الخليقة الجديدة ، لقد صار يعقوب انسانا جديدا باسم جديد... ربما تجد المعاناة والالم ولكنك ستجد أيضا رفقة الله محبته .. هل تريد أن تكون مجاهدا مع الله .. جهاد حقيقي .. ام انك لا زلت تهتم بتلك البركات الارضية الزائلة ..
هناك بركة .. وهناك بركة أخرى .. وعليك أن تختار ... هل تريد ان تنال هذه البركة